بسم الله الرحمن الرحيم {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواكُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ }هذه الآية المباركة من الآيات التشريعية ألتي أمرت المسلمين بهذه الشريعة المباركة , والتي تحتوي على الفوائد العديدة للإنسان , والحديث خلال هذه الآية يتم في ثلاثة محاور :ألأول : أنَّ الخطاب هنا موجّه للذين آمنوا كغيره من الخطابات المتقدمة والمشمول هنا جميع المسلمين , فعلى كلّ من آمن منهم بالله واليوم الآخر الألتزام بهذه الشريعة .
الثاني : إنّ المراد من { كتب } هنا هو الإلزام , كما في قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِى القَتلَى } والكتب الإلهي يكون نوعين :
فمنه مايكتبه الله تعالى على نفسه كقوله تعالى { كَتَبَ عَلَى نَفسِهِ الرَّحمَةَ } وأحيا ناً يكون على العباد , كما في الآية المباركة المتقدمة .
الثالث :الصيام : ولعل من أهم التشريعات التي فرضها الشارع المقدس في الشريعة الإسلامية وأكثر مغطيات هو الصوم حيث أنّه يشتمل على فوائد على الصعيدين الدنيوي والأخروي .
ولا بأس أن نذكر هنا بعض هذه المعطيات ابتداء من فوائد الصوم الدنيوية وانتهاء بالفوائد الأخرويَّة :فوائد الصوم الدنيوية :1- مواسات الفقراء والمستضعفين : فإن الصوم يلزم الأغنياء على مواساة الفقراء والجياع والشعور بهم حيث إن الأغنياء لايمتنع شيء أمامهم من المأكول والمشروب , أما في الصيام فهو يشعر بحاجة النفس إلى الطعام , ويشعر بألم حرمان هذه النفس من الطعام فيتذكر بذالك الفقراء والمساكين .
2- الصّحة الجسديَّة : ومن المعلوم إن أساس الأمراض هي المعدة وكما يقال : إنَّ المعدة بيت الداء , فأغلب الأمراض تكون بسبب التخمة المفرطة , فيأتي الصوم في شهر رمضان ليكون بمثابة نقطة استراحة لهذه المعدة المتعبة على مدار احد عشر شهراً , وكذلك الصيام في غير شهر رمضان فإنه من المستحبات المؤكَّدة لما فيه من الفوائد الصحيَّة , ويقول الحديث { صوموا تصحوا }البحار:62/ 267/ 45/ 88
وكذالك الحديث القدسي " الصوم لي وأنا أجازي عليه " الكافي : 4/ 63
3- الناحية الأقتصادية : فإن تخفيف وجبة في اليوم الواحد , يعد توفيراً لكل اسرة صائمة , صحيح إنَّ بعض الناس يرتفع مدخولهم اليومي في شهر رمضان , ولكن ذلك لايضر بأصل القاعدة وهي أنَّ يحتوي على جنبة اقتصادية كذلك .
4-زيادة المحبة والمودة بين المؤمنين: وكذلك من فوائد الصيام هي المحبة بين المؤمنين , لأن الشارع المقدس عندما حث على إفطار المؤمنين وهو يعطي ذلك الأجر العظيم لمن أفطر مؤمناً ولو بشق تمرة , كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة شهر رمضان المبارك عندما خطب في الناس فقال : " أيها الناس من فطر منكم صائماُ مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عتق رقبة ,ومغفرة لما مضى من ذنوبه "و قيل يارسول الله صلى الله عليك وآلك وسلم وليس كلنا يقدر على ذلك , فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة , اتقوا النار ولو بشربة ماء , فإن الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر
منه" .
فإن أمثال هذه الروايات تشجع المؤمنين على اكرام بعضهم بعضاً في هذا الشهر وتختلف موائد اللأفطار , ويكثر التزاور بين المؤمنين مما يؤدي إلى زيادة التماسك في المجتمع .
5- استقامة الجوارح : وباعتبار أنّ الشارع أكد على صيام الجوارح وليس على صيام البطن و كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك : الكافي 4/ 87 / 1 وغير هذا الحديث كثير عن اهل البيت عليهم السلام تؤكد على ان الصوم هو صوم الجوارح وابتعادها عن الرذائل , وبالتزام الصائم بهذه التعليمات يحصل على الاستقامة في هذه الحياة الدنيا والتي تعود هذه الاستقامة بالنفع على المجتمع أيضاً
الفوائد الأخرويَّة :1- الرصيد الكبير من الحسنات : ثم أنّ هذا الفرض المبارك يعد اكبر رصيد من الحسنات لهذا الصائم في وقت هو أحوج مايكون فيه إلى الحسنات .
2- ربط الأنسان المؤمن بالآخرة : وهذا النوع من أهم عناصر التوازن بين الدنيا والآخرة , فإنَّ الجوع والعطش اللذين يجدهم الصائم في صومه يذكرانه بجوع وعطش يوم القيامة , كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة شهررمضان المبارك : " واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه " . وإننا نجد أغلب الصائمين لاتحصل عندهم الفوائد المذكورة , وبالحدّ الأدنى لايذكرون بجوعهم وعطشهم جوع يوم القيامة وعطشه , ولا يتذكرون الفقراء الجياع ؟
وللجواب على ذلك نقول : إن أغلب هذه الفوائد وبالخصوص التي تذكر بالآخرة وتربط ألإنسان بذلك العالم إنما تحصل { لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } كما يقول القرآن الكريم , أما من ختم الله على قلبه وسمعه وبصره فلا يمكن أن يتذكر وتصبح كل عباداته مجرد طقوس وحركات فارغة من المحتوى المطلوب .
جعلنا الله وإياكم من الصائمين الذاكرين جوع وعطش يوم القيامة