دقة .. بدقة

قرأت تلك القصة .. فأعجبتنى بلاغة عباراتها .. وصدق كلماتها .. فآثرت ألا أستأثر بها .. فما أبلغها قصة ..

قصة ذلك التاجر من مدينة الموصل في شمال العراق ، والتي وقعت بالفعل مطلع القرن الماضي ، وكان ذاك التاجر صاحب خلق ودين وإستقامة وكثير الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وشتى أنواع الخير حتى بناء المساجد .

فلما تقدم به السن وكان له ولداً وبنتاً ، وكان كثير المال ذائع الصيت ، فأراد أن يسلم تجارته لابنه ، حيث اعتاد التاجر أن يشتري من شمال العراق الحبوب والأقمشة وغيرها ويبيعها في الشام ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير ذلك ليبيعه في العراق .

بعد أن جلس مع ابنه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين ،أوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر وقال : (يا بني ، والله إني ما كشفت ذيلي في حرام ، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك ، يا بنيّ حافظ على عرض أختك بأن تحافظ على أعراض النّاس ) .

وخرج الشاب في سفره وتجارته ، وباع في دمشق واشترى وربح المال الكثير ، وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح .وخلال طريق العودة وقبيل غروب شمس أحد الأيام حطّت القافلة رحالها للراحة ، أما الشاب فراح يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح ، وإذا بفتاة تمرّ من المكان ، فراح ينظر إليها ، فزيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء ، فاقترب من الفتاة وقبّلها قبلة ، ثمّ سرعان ما انتبه الى فعلته وتيقّظ ضميره ، وتذكّر نظر الله إليه ، ثمّ تذكّر وصية أبيه ، فاستغفر ورجع الى قافلته نادماً مستغفراً .

وأما في الموصل ، وحيث الإبن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع ، يقبع الوالد في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها ، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء المنزل ، وكان الساقي رجلاً صالحاً وكبير السن ، اعتاد لسنوات طويلة أن يدخل المنزل ، فلم يُر منه إلا كلّ خير . خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب ، ودخل الساقي وصبّ الماء في جرار البيت بينما الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب ، وما أن وصل الساقي عند الباب وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء فالتفت يميناً وشمالاً ، ثمّ مال الى الفتاة ، فقبّلها قبلة ، ثم مضى ، كل هذا والوالد يجلس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى ما يجري دون أن يراه الساقي ، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب ، ثم الاسترجاع بأن يقول ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون )، ثم الحوقله بأن يقول ( لا حول ولا قوّة إلا بالله ) ، وأدرك أنّ هذا الساقي الذي ما فعل هذا في شبابه فكيف يفعلها اليوم ، وأدرك أنّما هو دينٌ على أهل البيت ، وأدرك أنّ ابنه قد فعل في سفره فعلة استوجبت من أخته السداد .ولمّا وصل الشاب وسلّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق ، ثمّ وضع بين يديه أموالاً كثيرة ربحها ، إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف ، وإنّ البسمة لم تجد لها سبيلاً الى شفتيه ، سوى أنّه قال لابنه : هل حصل معك في سفرك شيء ، فنفى الابن ، وكرّرها الأب ، ثمّ نفى الابن، الى أن قال الأب : ( يا بني ، هل اعتديت على عرض أحد ؟ )، فأدرك الابن أن حاصلاً قد حصل في البيت ، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه ، ثمّ كان منه البكاء والاستغفار والندم ، عندها حدّثه الأب ما حصل مع أخته ، وكيف أنّه هو قبّل تلك الفتاة بالشام قبلة ، فعاقبه الله بأن بعث السقا فقبّل أخته قبلة كانت هي دين عليه، وقال له جملته المشهورة :

( يا بُنيّ دقة بدقة ، ولو زدت لزاد السقا )

أي أنّك قبّلت تلك الفتاة مرة فقبّل الساقي أختك مرة ، ولو زدت لزاد ، ولو فعلت أكثر من ذلك لفعل . .

أشكرك رانوش لمرورك الكريم ..

كما تفضلتى وذكرتى .. ما يفعله المرء مردود عليه .. إن خيراً فخير ..وإن شراً فشر ..

وقد جعلها الله منهاجاً فى قوله سبحانه : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]

مشكورة رانوش .. سعدت لتواجدك الغالى ...

أشكرك RERE2010 لمرورك .. وتواجدك الغالى ..